ترامب والعولمة- "أمريكا أولاً" تهدد النظام الاقتصادي العالمي؟
المؤلف: محمد سالم سرور الصبان08.15.2025

حظي تنصيب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة بمتابعة عالمية واسعة النطاق، ربما لم يشهدها أي رئيس أمريكي آخر. انقسم العالم بين كارهٍ لوصوله إلى السلطة، ومحبٍ يترقب خطواته المستقبلية بحذر، خاصة فيما يتعلق بتنفيذ وعوده الانتخابية. منذ اليوم الأول لتنصيبه، تجلت بوادر تغييرات تدريجية تعكس شعاره البارز "أمريكا أولاً"، وهو مبدأ يدافع عنه بشراسة انطلاقاً من رؤية اقتصادية بالأساس.
لقد دعا ترمب إلى إلغاء أو إعادة التفاوض بشأن العديد من الاتفاقيات التجارية الدولية، بما في ذلك اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ. بالإضافة إلى ذلك، قام بتعليق العمل بالتزامات اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، معبراً عن عدم اقتناعه بما وصفه بـ "أكذوبة المناخ" التي يروج لها الغرب، مع وجود احتمال قوي لانسحاب أمريكا الكامل من هذه الاتفاقية. كما يطالب بفرض رسوم جمركية باهظة على الواردات الصينية، متهماً إياها بسرقة وظائف الأمريكيين واستثماراتها.
إذا تم تطبيق هذه الإجراءات على أرض الواقع، كما هو متوقع، فإنها ستمثل ضربة موجعة لمسيرة العولمة الاقتصادية والاعتقاد السائد بأن العالم أصبح قرية صغيرة.
الأمر كان سيبدو مختلفاً تماماً لو أن دولة نامية أو أقل قوة من الولايات المتحدة اتخذت مثل هذه الخطوات. فالولايات المتحدة، بصفتها أكبر اقتصاد في العالم، تهيمن على معظم القطاعات الاقتصادية. وقد ساعدها انفتاحها على العالم، وابتعادها عن الحمائية التجارية، وإبرامها لاتفاقيات تجارية دولية ثنائية ومتعددة الأطراف، على الاندماج في العولمة الاقتصادية، وجعل العالم يتبع خطاها، بالرغم من وجود ضحايا لهذه العولمة في كل مكان، باستثناء الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الذين حصدوا معظم المزايا؛ نظراً لضعف الدول الأخرى تفاوضياً وسياسياً واقتصادياً.
وبعد أن جنت أمريكا ثماراً جمة من قيادة قطار العولمة، يسعى ترمب الآن إلى تحقيق مكاسب إضافية من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية، تحت شعار "أمريكا أولاً"، الذي يستلزم القضاء على ما يعتبره استيلاء على وظائف العمال الأمريكيين.
تجدر الإشارة إلى أن موجة العولمة، التي بدأت قبل وصول ترمب إلى السلطة، تتخذ الآن منحىً جديداً يتمثل في التأسيس لما يسمى بـ "الحكومة العالمية"، من خلال التفاوض وإبرام الاتفاقيات الدولية في مختلف المجالات المشتركة، وبالتالي إنشاء حكومة عالمية تشرف على تنفيذ هذه الاتفاقيات، مع تهميش دور الدول في إدارة شؤونها السيادية. أعتقد أن النهج الذي تتبعه أمريكا نحو الانعزال الاقتصادي سيضعف هذا الهدف، بل قد يؤدي إلى إعاقته أو تأخيره لسنوات عديدة.
إن تباطؤ مسيرة العولمة قد يمنح الدول النامية، وخاصة دول الخليج، فرصة جديدة للمشاركة في صياغة الاتفاقيات بشروط ونتائج أفضل، إذا أحسنا استغلال هذه الفرصة وقمنا بتأهيل جيل من المفاوضين المدربين القادرين على حماية مصالح بلداننا.
أتوقع أن إعادة التفاوض على الاتفاقيات الدولية لن تقتصر على اتفاقيات التجارة بين الدول، سواء الثنائية أو المتعددة الأطراف، بل قد تشمل أيضاً بعض اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، ومنظمة العمل الدولية، واتفاقية التنوع البيولوجي، وغيرها من الاتفاقيات التي ترى الولايات المتحدة أنها لم تحصل منها على القدر الكافي من المنافع بالصيغة الحالية.
وكما ذكرنا سابقاً، فإن العالم لن يتمكن من المضي قدماً في تيار العولمة دون مشاركة الولايات المتحدة؛ لذلك، عندما تطلب أمريكا إعادة التفاوض على اتفاقية ما، لا يملك العالم خياراً سوى الموافقة على هذا الطلب، لأنه لا يستطيع تحمل خروجها وانعزالها. وبسبب التنافسية القوية التي تتمتع بها الولايات المتحدة مع الدول الكبرى اقتصادياً، فإن العديد من الدول ستقوم بتجميد التزاماتها أو الانسحاب من الاتفاقيات التي انسحبت منها أمريكا، وهو ما يعرف بـ "تأثير الدومينو".
تشن الآن حملة عالمية، أوروبية على وجه الخصوص، لإثناء الرئيس ترمب عن تنفيذ أجندته الاقتصادية والمناخية. يتم حشد المنظمات غير الحكومية لإصدار التحذيرات المتتالية لترمب وإدارته، مع تقديم أسوأ السيناريوهات الممكنة التي قد تنجم عن سياساته الانعزالية على أمريكا وبقية العالم.
إلا أنني أشك بشدة في استجابة ترمب لهذه الحملة العالمية. فرغم أنه خفف من حدة اللهجة التي ميزت إعلانه عن سياساته خلال الحملة الانتخابية، إلا أن جوهر هذه السياسات لا يزال قائماً. وحتى اختياراته لفريقه العامل معه في مختلف الوزارات تعكس نيته في الاستمرار على نفس المنوال، إن لم يكن بقوة أكبر.
وعلى الرغم من كل هذه الجوانب السلبية، قد تشهد فترة ولاية الرئيس ترمب تصحيحاً لمسار العولمة. فقد بدأ أيضاً بتهديد المنظمات الدولية بمطالبتها بإجراء الإصلاحات الضرورية. وتشمل هذه المنظمات الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وغيرها من المنظمات التي تساهم فيها أمريكا بنصيب الأسد. كما أن إعادة التفاوض على بعض الاتفاقيات يعني أننا سنبدأ من جديد، محاولين تلافي الأخطاء السابقة.
لذلك، يجب علينا التزام الحياد على الأقل، وعدم الانسياق وراء مطالب الأوروبيين وغيرهم في الإعلان عن الإطاحة بالرئيس ترمب أو عزله دولياً، إذا ما قرر عزل بلاده.
* مستشار اقتصادي ونفطي